الثلاثاء، 6 فبراير 2018

فضائل القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبة وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين...،

   وبعد: فهذه نبذه مختصره عن القرآن و فضله و فضل قراءته، وهدي السلف فيه و الأسباب التي تعين على حفظه و الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها حافظ القرآن أو قارئه. فأسال الله أن ينفع بها المسلمين و المسلمات.


*/ تعريف القرآن:

لغة: القران في لغة العرب مصدرٌ كالقراءة، ومعناه الجمع، وسمي القران الذي أنزل الله على محمد ’ قرآنا؛ لأنه يجمع السور ويضمها.


- اصطلاحا: هو كلام الله المنزل غير مخلوق، منه بدأ و إليه يعود، و إن الله تكلم به حقيقة.

 */ فضائل القرآن :

من المعلوم ان فضائل القران لا تعد ولا تحصى ، فنذكر من ذلك فوائد تدل على فضله ، و ما أعد الله لأهله ، إذا أخلصوا الطلب لوجهه ، و عملوا به ، فأول ذلك أن يستشعر المؤمن من فضل القرآن أنه كلام رب العالمين،وانه هو الذي انزله على محمد صلى الله عليه وسلم،ومن الآثار التي وردة في فضله:
قال تعالى:{وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ١٥٥} [سورة الأنعام:155].
قال ابن جرير الطبري: (يعني جل ثناؤه بقوله:(وهذا كتب انزلنه مبارك)،هذا القرآن الذي أنزلناه إلى محمد ’ كتاب أنزلناه مبارك،(فاتبعوه).يقول:فاجعلوه إماماً تتبعونه،وتعملون بما فيه أيها الناس ،(واتقوا) يقول: واحذروا الله في أنفسكم أن تضيعوا العمل بما فيه، وتتعدوا حدوده، وتستحلوا محارمه.).
 قال تعالى: {إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا ٩} [سورة الإسراء:9].
قال ابن جرير الطبري: (يقول تعالى ذكره:إن هذا القران الذي أنزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،يرشد ويسدد من اهتدى به (للتي هي اقوم)يقول:للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل،وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام يقول جل ثناؤه:فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به الى قصد السبيل التي ضل عنها سائر أهل الملل).
1- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه  قال: قال رسول الله ’: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) أخرجه البخاري .. رقم (5027).
قال الطيبي: (أي خير الناس باعتبار التعلم والتعليم من تعلم القرآن وعلمه وقال خيركم أي من خيركم ).

2- عن عامر بن واثلة أبي الطفيل، أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن خطاب رضي الله عنه بعسفان -و كان عمر استعمله على مكة- ، فقال: من استعملت على أهل الوادي فقال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزي ؟ قال: مولى من موالينا قال: فاستخلفت عليهم مولى !؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم ’ قد قال: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين ) أخرجه مسلم.. رقم (817 ).  
قال القرطبي:(قوله (يرفع) يعني: يشرف، ويكرم في الدنيا والآخرة، وذلك بسبب الاعتناء به، والعلم به، والعمل بما فيه.  
(ويضع): يعني: يحقر، ويصغر في الدنيا والآخرة، وذلك بسبب تركه، والجهل به، وترك العمل به).
*/ فضائل تلاوة القرآن:

1- قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ ٢٩} [سورة فاطر:29.
قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن عبادة المؤمنين الذين يتلون كتابه ويؤمنونبه ويعملون بما فيه، من إقام الصلاة، والانفاق ممارزقهم الله في الأوقات المشروعة ليلاً ونهاراً ،سراً وعلانية،(يرجون تجارة لن تبور)،أي:يرجون ثواباً عند الله لابد من حصوله،........ولهذا قال تعالى: (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله)،أي: ليوفيهم ثواب مافعلوه ويضاعفه لهم بزيادات لم تخطرلهم ،(إنه غفور)أي:لذنوبهم،(شكور) للقليل من اعمالهم)
2- عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ’  قال : ( مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران ) أخرجه البخاري .. رقم (4937 )
فهذا الحديث يبين فضل حفاظ القرآن الماهرين بتلاوته بأنهم مع الملائكة حملة القرآن كما قال تعالى:{كَلَّآ إِنَّهَا تَذۡكِرَةٞ ١١ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ ١٢ فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ ١٣ مَّرۡفُوعَةٖ مُّطَهَّرَةِۢ ١٤ بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ ١٥ كِرَامِۢ بَرَرَةٖ ١٦} [سورة عبس:11-16]. فيه تنبيه لحامل القرآن أن يتشبه في أحواله وأعماله بهؤلاء الملائكة إذ المدح لايلحقه بمجرد الحفظ حتى يكون كالكرام البررة في كرمهم وبرهم.   
3- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي ’ قال : ( و مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجه ، طعمها طيب و ريحها طيب و الذي لا يقرأ القرآن كالتمرة ، طعمها طيب و لا ريح فيها ، و مثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ، ريحها طيب و طعمها مر ، و مثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظله  ، طعمها مر و لا ريح لها ) رواه البخاري .. رقم (5020 ).               

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:(وفي الحديث فضيلة حامل القرآن ،وضرب المثل للتقريب للفهم ،وان المقصود من تلاوة القرآن العمل بما دل عليه).

1- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يقال لصاحب القرآن إقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا  فإن منزلتك عند أخرأيه تقرأها) أخرجهأبوداود (1464) حديث صحيح.
وهذه منازل الحفاظ في الآخرة.
قال الخطابي:(جاء في الأثر:أن عددآي القرآن على قدر درج الجنة يقال للقارئ :ارق في الدرج على قدر ماكنت تقرأ  من القرآن فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درجة الجنة ومن قرأ جزءاً منها كان رقيه في الدرج على قدر ذلك فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة) معالم السنن(1/370)

*/هدي السلف في القرآن:

كان سلف الأمة من أصحاب النبي ’ أحرص الناس على الاعتصام بهذا الكتاب ، و أعلم الناس به ، و أعرفهم بما يجب في حقه من العناية ، فحري بمن بعدهم أن يسلك هداهم في ذلك و أن يعرف عنهم كيف كانوا يأخذون هذا القرآن ، فإنهم القوم الذين كانوا يغذون به في الليل و النهار ، يصبحهم النبي ’ و يمسيهم بجديدة ، و لم تكن الكتابة شائعة ، و لا المصاحف موجودة مهيأة كما صارت لمن بعدهم ،فهم إلى حفظه في الصدور يومئذ كانوا أحوج من بعدهم ، فكيف كانوا يحفظون ؟ هذا ما نتبينه فيما يأتي من صحيح الأخبار :
1- عن عبد الله بن مسعود ~قال : ( كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن و العمل بهن  ) رواه ابن جرير في التفسير ( 1/74  ) . وإسناده صحيح .
2- و عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي ’ ( كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم و العمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل ) رواه أحمد في سنده ( 10 / 5583 ) رقم الحديث ( 23965 ) .. وإسناده صحيح .
فلم يكن همهم كثرة الحفظ كما صار إليه حال من بعدهم، وإنما علموا أن هذا القرآن إنما أنزل للعمل، ولا عمل دون علم وفهم .

  
* أحكام يحتاج إلى معرفتها القارئ:

1-الطهارة لقراءة القرآن:الطهارة نوعان كبرى وصغرى:
- أما الصغرى وهو الوضوء لقراءة القرآن فهي مستحبه وليست بواجب ،وتجوز القراءة بدون وضوء.
ودليل جواز التلاوة على غير وضوء حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:كان النبي ’، يذكر الله على كل أحيانه. أخرجه مسلم (373).
أما مس المصحف فيحرم على المحدث مسه لقول النبي ’ في كتاب عمرو بن حزم:(لا يمس القرآن إلا طاهر). أي: لا يمس المصحف الذي فيه القرآن؛ لأن جاء في بعض الروايات:(لا يمس المصحف).أخرجه مالك في الموطأ(ص141).
- أما الطهارة الكبرى وهي الغسل فيها واجبه, ويحرم قراءة القرآن للجنب.
ودليل ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لا يقرأ الجنب القرآن)،
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، سئل عن الجنب:أيقرأ القران؟ قال: (لا ،ولا حرفاً).
2-طهارة الموضع الذي يقرأ فيه:
فينبغي لقارئ القرآن أن لا يقرأ إلا في محل طاهر، تعظيما للقرآن؛ فإنه أعظم الذكر.
وجاء عن عامر الشعبي :انه كره قراءة القرآن في ثلاثة مواطن :الرحى، وبيت الخلاء، وبيت الحمام.
3-السواك لقراءة القران:
وهو مستحب لأجل القران لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ’: (إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليستك، فإن أحدكم إذا قرأ في صلاته وضع ملك فاه على فيه ، ولا يخرج من فيه شيء إلا دخل فم الملك).أخرجه البيهقي في الشعب(2117).حديث حسن.
4-إذا ذهب من حفظه شيء فليس له أن يقول:(نسيت آية كذا)، وإنما يقول: (نسِّيت) أو (أُنسيت) بصيغة البناء للمجهول.
وذلك لقوله ’: (بئس ما لأحدكم أن يقول (وفي لفظ:لا يقل أحدكم):نسيت آية كيت وكيت ،بل نسٍّي).أخرجه البخاري (4744).
قال ابن الأثير: (كره نسبة النسيان إلى النفس لمعنيين ،احدهما:أن الله تعالى هو الذي أنساه إياه ؛لأنه المقدر للأشياء كلها،
والثاني:أن أصل النسيان الترك ،فكره له أن يقول :تركت القرآن ،أو قصدت إلى نسيانه ؛ولأن ذلك لم يكن باختياره).النهاية(914).

*/  الأسباب التي تعين على حفظ القرآن:

1-دعاء الله بصدق وإخلاص على حفظه، وأن يكون قصده مرضاة الله تعالى علما وعملا.
2-أن يرتب له وقتا يوميا _ إن استطاع _ يتفرغ فيه تفرغا كليا لقراءة الحفظ.
3-أن يسمع القدر الذي يريد حفظه على قارئ ضابط.
4- أن تكون مراجعته للمحفوظ في أوقات مرتبة، وأن يحاول جاهدا عدم الإخلال بها.
5- أن تكون النسخة أو الطبعة التي يحفظ عليها واحدة، ليزداد حفظه رسوخا في ذهنه.
6- أن يردد ما يحفظ عشرات المرات قائما وقاعدا وماشيا ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
7- أن يكون قراءته في صلاته من الحفظ الجديد، فذلك أدنى لرسوخ الحفظ.
8- أن يقرأ تفسير الآيات التي حفظها، وفي ذلك مصلحتان .. رواية و دراية .. ، رواية: القرآن وحفظه، ودراية: معانية وفهمه.
9- ليحذر من المعاصي، فمن آثرها : نسيان العلم والحفظ، قال الضحاك: ( ما تعلم أحد القرآن فنسيه إلا بذنب ، ثم قرأ : { وما أصبكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم و يعفوا عن كثير}، ثم قال : وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن ).
قال بشر بن الحارث: (إن أردت أن تُلقن العلم فلا تعص).
10- أن يكون مقدار  الحفظ قليلا؛ ليكون أثبت لحفظه، قال أبو بكر بن عياش: (قرأت القرآن  على عاصم بن أبي النجود فكان يأمرني أن  أقرأ عليه كل يوم آية  لا أزيد  عليها ، ويقول :إن هذا أثبت لك، فلم آمن  أن يموت الشيخ قبل أن افرغ من القران  فما زلت اطلب إليه، حتى أذن لي في خمس آيات كل يوم).
واحذر من التذرع بالاشتغال أو التسويف في أمر التعاهد واجعل التعاهد أصلاً والاشتغال عرضا فبذلك إن شاء الله يبق الحفظ منضبطاً في ذهنك.
منقول من معالم في طريق الطلب.


*/ آداب حامل القرآن :

1- أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه إجلالا للقرآن، وأن يكون مصونا عن دنيّ الاكتساب ، فقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( ينبغي على حامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبنهاره إذا الناس مفطرون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يحتالون ) .. التبيان (45) للنووي .
2- أن يحذر كل الحذر من اتخاذ القرآن معيشة يكتسب بها، فقد جاء عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال : قال رسول لله ’: ( اقرؤوا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه ) .. أخرجه أحمد في المسند وقال الألباني: إسناده صحيح .
3- أنه ينبغي أن يحافظ على تلاوته ويكثر منها، كان السلف لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه، فمنهم من كان يختم في اليوم والليلة، ومنهم من كان يختم في الأسبوع، وهكذا كان دأب الصالحين من السلف ومن بعدهم،كما قيل:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم         إن التشبه بالكرام فلاح.

.. ( وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ) ..





   جمعه/ عبدالله بن أحمد الحريتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق